17‏/04‏/2009



عورتنا الحضارية للكاتب خليل قنديل .


الرجل الياباني، الذي عبر مسرعاً في أحد شوارع العاصمة الأردنية عمّان المزدحمة بالسيارات وبحركة المارة، أثار دهشتي حقاً، وهو يضع أحد أصابعه بين دفتي كتاب، تاركاً حقيبة بسيطة تتراقص فوق كتفيه. وسبب دهشتي هو هذا الإصرار الحضاري عند بعض الشعوب على القراءة، إلى الدرجة التي باتت فيها القراءة جزءاً مهماً من المسلك الحياتي اليومي عند أبناء هذي الشعوب. ومن أتيحت له زيارة العواصم الغربية لا بد وأنه لاحظ تلك الهمة القرائية عند سكان هذه العواصم، وأن ما من حافلة أو ساحة أو شاطئ أو حديقة عامة تخلو من رجل أو امراة بصحبة كتاب.لكن تبدو القراءة عربياً وكأنها حالة «إثم» يتستر عليها صاحبها متحاشياً الإعلان عنها في الشوارع والساحات والحدائق والحافلات.والاحصائية التي اعلنت عنها منظمة «اليونسكو» والتي تقول: إن معدل قراءة المواطن العربي لا يتجاوز ست دقائق في العام كاملاً ـ أي خلال 365 يوماً ـ تشكل فاجعة حضارية لأمة بدأت مشروعها الحضاري والاسلامي بكلمة «اقرأ». ولتأكيد فاجعتنا الحضارية نقول: قبل أسبوعين وصف كتاب عرب اجتمعوا في تونس واقع الترجمة في العالم العربي بأنه يعاني كثيراً من الضعف والوهن بسبب نقص الحريات، وتغليب المصالح الربحية والتجارية على البعد الثقافي.وبحسب وكالات الأنباء فإن عضو الترجمة في اتحاد الكتاب العرب، السوري جمال درويش، قال في هذا الاجتماع: إن «واقع الترجمة في العالم العربي «مؤلم جداً ويتسم بالفوضى والعشوائية» وبأنه متخلف ويرتبط بتخلف الأمة الثقافي والحضاري»، منوهاً بأن الترجمة لاتزال ضعيفة جداً في العالم العربي، مقارنة بدول أخرى، مستشهداً بأرقام منظمة «اليونسكو» التي تقول إن العرب الذين يتجاوز عددهم 270 مليون نسمة لا يترجمون سنوياً سوى 475 كتابا، في حين تترجم إسبانيا التي لا يتجاوز تعداد سكانها 38 مليون نسمة أكثر من 10 آلاف عنوان سنويا. والغريب أننا وسط هذه الأُمية القرائية المتفشية في الوطن العربي، وعلى الرغم من هذه الاحصاءات الموجعة، مازلنا نغض الطرف عن هذه الكارثة القومية. التي من الممكن أن تصيب عصب حضارتنا «اللغة» بالتسوس، لنصبح أمة درداء! وتصبح اللغة أيضا مساحة مهجورة تنعق فيها غربان ذاكرتنا. ان غياب القراءة كفعل حضاري يعني ببساطة أننا أدمنا عربيا فكرة مضغ الماضي وإنهاضه من قبره الدهري، وتتويجه ملكاً مبجلاً لحاضرنا، وأن هذا الماضي بدأ يتحول الى ساتر لعورة أميتنا التي صارت بادية ومتجلية وواضحة في مسلكنا الاجتماعي والسياسي وحتى الاقتصادي.إن غياب القراءة كفعل يومي للفرد العربي، وتلك القطيعة الموحشة مع المكتبة ورفوفها، قد أوقعا الفرد العربي في حالة الفقر المخيالي المدقع. التي تستوجب تلك التحديقة البقرية في عين المواطن العربي أمام كل المشاهدات الموجعة التي تشهدها الجغرافيا العربية من انتهاك واحتلال. وهي بالمقابل حالة تحرم مجتمعاتنا من قدرتها العفوية والطبيعية على إنجاب المبدع القادر على تأجيج مخيالها القرائي بالمزيد من الدهشة والابداع. ولعل أصعب ما خلفه فقرنا القرائي العربي هو ان كل من استدل في وقت مبكر على القراءة الابداعية من شعر وقصة ورواية تحول بسرعة عجيبة الى كاتب. إننا وبغياب فعل القراءة كعادة يومية وتلقائية نكون قد كشفنا عن «عورتنا» الفكرية هذه التي يدمينا مشهدها البشع والفاضح صباحاً ومساءً.

lkhalilq@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: