16‏/11‏/2009

من العصر الحجري للكاتبة مرفت العريمي







هذا المقال قراءته في مجلة حياتي العدد 32 بتاريخ 30 من ديسمبر لعام 2007 م.... أعجبني جدا وقمت بطباعة لكم لتعم الفائدة ....

من العصر الحجري للكاتبة مرفت العريمي





بكل فخر يتحدث أحمد " ابني هشام لديه ثلاثة هواتف نقالة.. ولأنه يرغب في جهاز جديد من الجيل الثالث ذات كاميرتين حتى يتحدث مع أصحابة بصوت وصورة....
قاطعته لماذا هاتف جديد ألا يكفي مالديه ؟أجابني "قال هشام إن كافة أصحابه لديهم عدة هواتف والمختلف من يمتلك جهازا واحدا أو كما يطلقون عليه من العصر الحجري...
وأنا لا ارغب بأن يصبح ابني أقل من أصحابه في المرحلة المتوسطة ؟! ... فلا ضير من أن يصبح لديه أكثر من جهاز فأنا مقتدر ماديا ولا ابخل على أبنائي بشي...
مع دخولنا الألفية الثالثة تحولت مفاهيم التقدم الصناعي فأصبح العالم يركز على تطوير الأساليب التسويقية فالشركات العالمية تخصص ما لا يقل من 80 % موازناتها لتسويق منتجاتها مستخدمة أكثر الوسائل تأثيرا على الجمهور الصحافة المرئية المقرؤة التي شاركت في التخبط الاستهلاكي والخداع الدعائي الذي يؤدي إلى تخمة الاستهلاك
فالإعلانات التجارية تمارس دورا في أثارة المستهلك ودفعه إلى شراء الأشياء هو ليس بحاجه إليها ، والإعلام أيضا ساهم دفعه إلى المحاكاة وتقليد عادات دخيلة قادمة من مجتمعات متقدمة دون تقييم لتلك العادات ، لكن الدول المتقدمة لديها القدرة على تشكيل ثقافة المستهلك وفق ثقافة السلعة من خلال مؤسسات حكومية وأهلية تعنى بنشر ثقافة الإنتاجية وترشيد الاستهلاك ، من حملات إعلامية وإعلانية مضادة .
شاعت في القرب مقولة " ولد الإنسان الغربي لكي يشتري " هذه المقولة تعكس عقلية الغرب الاستهلاكية التي تنادي بالحرية والنفعية الشخصية ..
للأسف ، اكتسبت المجتمعات العربية هذه العادات نتيجة الطفرة الاقتصادية الناتجة من النفط ، فأصبح البعض يشتري منتجات كثيرة قد لايكون بحاجة إليها نهائيا ، فقط يقوم بالشراء كي يحصل على مكانة في المجتمع المحيط به .
السلوك الاستهلاكي أدى إلى ظهور مشكلات أعظم وهي التلوث البيئي الناتج عن الاستهلاك الشره للمواد المصنعة ، فالتقدم الصناعي والتقني ولد لدى الإنسان المعاصر الرغبة إلى الدعة والراحة والاستسلام .
يقول علماء اجتماع إن هناك عدة عوامل تساهم في زيادة الاستهلاك ، من أهمها الإحباط والكبت اللذان يدفعان الفرد إلى الشراء حتى يحصل على رضا الذات .
فالكثير من الدول النامية يرفض الواقع الذي يعيش فيه ويعيش إمكانات اكبر من دخله الاقتصادي وهو دائما يحول تقليد المجتمعات المتقدمة في الترف والاستهلاك و تبديد الثروات الفائضة إضافة إلى التفكيك الاجتماعي الذي نعيشه حاليا نتيجة لسيادة القيم المادية عن القيم الأسرية .
ورد عن الإمام الشافعي رحمه الله " ما افلح سمين قط فقيل له لم ؟ قال : لأنه لا يعدو العاقل إحدى الحالتين أما أن يهتم لآخرته ومعاده أو لدنياه و معاشه والشحم مع العمم لا ينعقد ...
أثقافة الاستهلاك تؤدي إلى انهيار الإنتاج المحلي ، وذلك بنشر ثقافة الدول المصدرة والخروج عن العادات العربية والإسلامية .
من الملاحظ في الدول النامية ضعف دور المؤسسات الحكومية والأهلية في توعية المستهلك بآداب الاستهلاك، وهذا الدور ليس مناطا به مؤسسات توعية المستهلك فقط بل أيضا الأسرة والمدرسة مسئولتان عن تنشئة جيل واعي مدرك لثقافة الاستهلاك.
هناك مفارقة غريبة .. أن تهتم الدول النامية بتنمية القطاع الإعلامي والإعلاني من خلال اقتناء احدث التقنيات ،وتنظيم حملات إعلانية و الإعلامية متنوعة ودعم الشره الاستهلاكي من خلال برامج التسويق التلفزيوني والإعلانات التجارية المكثفة التي تبث رسائل إعلانية مثيرة تدعو للشراء والشراء فقط وبأي ثمن ..في حين أهملت توجيه المستهلك من خلال نفس الوسائل للتريث وعدم التسرع في اتخاذ قرار الشراء .
إن التفاصيل الصغيرة في أي بناء يؤثر بلا شك في النتيجة النهاية ، فتوعية المستهلك مهمة لان ذلك سيؤثر على سلوكياته بشكل عام ، بينما إهمال هذا الجانب خصوصا في تربية النشىء سيجعل من مجتمعنا مجتمعا مستهلكا فقط ، والإنسان المستهلك خصوصا أذا كان مصابا بداء الشره الاستهلاكي لن يصبحا يوما منتجا ولن يشارك في بناء الوطن .





ليست هناك تعليقات: